responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 417
وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ
[الزَّلْزَلَةِ: 7، 8] فَلَمَّا تَفَاوَتَتْ مَرَاتِبُ الْخَلْقِ فِي أَعْمَالِ الْمَعَاصِي وَالطَّاعَاتِ وَجَبَ أَنْ تَتَفَاوَتَ مَرَاتِبُهُمْ فِي دَرَجَاتِ الْعِقَابِ وَالثَّوَابِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: عِنْدَ اللَّهِ أَيْ فِي حُكْمِ اللَّهِ وَعِلْمِهِ، فَهُوَ كَمَا يُقَالُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَذَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا، وَبِهَذَا يَظْهَرُ فَسَادُ اسْتِدْلَالِ الْمُشَبِّهَةِ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ [الْأَنْبِيَاءِ:
19] وَقَوْلِهِ: عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [الْقَمَرِ: 55] .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ يُوَفِّي لِكُلِّ أَحَدٍ بقدر عمله جزاء، وَهَذَا لَا يَتِمُّ إِلَّا إِذَا كَانَ عَالِمًا بِجَمِيعِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْخَالِي عَنِ الظَّنِّ وَالرَّيْبِ وَالْحُسْبَانِ، أَتْبَعَهُ بِبَيَانِ كَوْنِهِ عَالِمًا بِالْكُلِّ تَأْكِيدًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ صَاحِبُ الْمَغَازِي فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ [آل عمران: 161] وَجْهًا آخَرَ فَقَالَ: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ أَيْ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكْتُمَ النَّاسَ مَا بَعَثَهُ اللَّهُ بِهِ إِلَيْهِمْ رَغْبَةً فِي النَّاسِ أَوْ رَهْبَةً عَنْهُمْ ثُمَّ قَالَ: أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ يَعْنِي رَجَّحَ رِضْوَانَ اللَّهِ عَلَى رِضْوَانِ الْخَلْقِ، وَسَخَطَ اللَّهِ عَلَى سَخَطِ الْخَلْقِ، كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ فَرَجَّحَ سَخَطَ الْخَلْقِ عَلَى سَخَطِ اللَّهِ، وَرِضْوَانَ الْخَلْقِ عَلَى رِضْوَانِ اللَّهِ، وَوَجْهُ النَّظْمِ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران: 159] بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا إِذَا كَانَ عَلَى وَفْقِ الدِّينِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ عَلَى خِلَافِ الدِّينِ فَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، وَبَيْنَ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ الْخَلْقِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُحْتَمَلٌ، لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْغُلُولَ عِبَارَةٌ عَنِ الْخِيَانَةِ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ، وَأَمَّا أَنَّ اخْتِصَاصَ هَذَا اللَّفْظِ بِالْخِيَانَةِ فِي الْغَنِيمَةِ فهو عرف حادث.

[سورة آل عمران (3) : آية 164]
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164)
اعْلَمْ أَنَّ فِي وَجْهِ النَّظْمِ وُجُوهًا: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ خَطَأَ مَنْ نَسَبَهُ إِلَى الْغُلُولِ وَالْخِيَانَةِ أَكَّدَ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا الرَّسُولَ وُلِدَ فِي بَلَدِهِمْ وَنَشَأَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ طُولَ عُمُرِهِ إِلَّا الصِّدْقُ وَالْأَمَانَةُ وَالدَّعْوَةُ إِلَى اللَّهِ وَالْإِعْرَاضُ عَنِ الدُّنْيَا، فَكَيْفَ يَلِيقُ بِمَنْ هَذَا حَالُهُ الْخِيَانَةُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ خَطَأَهُمْ فِي نِسْبَتِهِ إِلَى الْخِيَانَةِ وَالْغُلُولِ قَالَ: لَا أَقْنَعُ بِذَلِكَ وَلَا أَكْتَفِي فِي حَقِّهِ بِأَنْ أُبَيِّنَ بَرَاءَتَهُ عَنِ الْخِيَانَةِ وَالْغُلُولِ، وَلَكِنِّي أَقُولُ: إِنَّ وُجُودَهُ فِيكُمْ مِنْ أَعْظَمِ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ فَإِنَّهُ يُزَكِّيكُمْ عَنِ الطَّرِيقِ الْبَاطِلَةِ، وَيُعَلِّمُكُمُ الْعُلُومَ النَّافِعَةَ لَكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ وَفِي دِينِكُمْ، فَأَيُّ عَاقِلٍ يَخْطُرُ بِبَالِهِ أَنْ يَنْسُبَ مِثْلَ هَذَا الْإِنْسَانِ إِلَى الْخِيَانَةِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: إِنَّهُ مِنْكُمْ وَمِنْ أَهْلِ بَلَدِكُمْ وَمِنْ أَقَارِبِكُمْ، وَأَنْتُمْ أَرْبَابُ الْخُمُولِ/ وَالدَّنَاءَةِ، فَإِذَا شَرَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَخَصَّهُ بِمَزَايَا الْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ مِنْ جَمِيعِ الْعَالَمِينَ، حَصَلَ لَكُمْ شَرَفٌ عَظِيمٌ بِسَبَبِ كَوْنِهِ فِيكُمْ، فَطَعْنُكُمْ فِيهِ وَاجْتِهَادُكُمْ فِي نِسْبَةِ الْقَبَائِحِ إِلَيْهِ عَلَى خِلَافِ الْعَقْلِ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي الشَّرَفِ وَالْمَنْقَبَةِ بِحَيْثُ يَمُنُّ اللَّهُ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ وَجَبَ عَلَى كُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يُعِينَهُ بِأَقْصَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحَارِبُوا أَعْدَاءَهُ وَأَنْ تَكُونُوا مَعَهُ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ وَالسَّيْفِ وَالسِّنَانِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْعَوْدُ إِلَى تَرْغِيبِ الْمُسْلِمِينَ فِي مُجَاهَدَةِ الكفار [في قَوْلُهُ تَعَالَى لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ] وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 417
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست